الطاقة النووية وتلويث البيئة
تلويث البيئة
عندما نتحدث عن تلويث البيئة، فإننا نقصد تلويث عناصر البيئة المختلفة:
الإنسان، الهواء، الماء، التراب والبيئة المبنية.
فما هي الحوادث التي أسهمت في تلويث عناصر البيئة بعد إجراء تجارب الطاقة النووية في مختلف أرجاء العالم، ومن ثم إلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاكي عام 1945، وما تبع ذلك من تجارب نووية في العالم وسباق على التسلح النووي وتجارب واسعه على الطاقة النووية .
في عام 1957، حدثت تسربات إشعاعية من مفاعل جبال الأورال في روسيا، نتيجة حدوث تآكل في جدران مستودعات النفايات النووية ذات المستوى العالي من الإشعاع. وفي بريطانيا، وخلال العام ذاته، حدث تسرب آخر في المفاعل النووي وندسكيل Windscale.
عندما نتحدث عن تلويث البيئة، فإننا نقصد تلويث عناصر البيئة المختلفة:
الإنسان، الهواء، الماء، التراب والبيئة المبنية.
فما هي الحوادث التي أسهمت في تلويث عناصر البيئة بعد إجراء تجارب الطاقة النووية في مختلف أرجاء العالم، ومن ثم إلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاكي عام 1945، وما تبع ذلك من تجارب نووية في العالم وسباق على التسلح النووي وتجارب واسعه على الطاقة النووية .
في عام 1957، حدثت تسربات إشعاعية من مفاعل جبال الأورال في روسيا، نتيجة حدوث تآكل في جدران مستودعات النفايات النووية ذات المستوى العالي من الإشعاع. وفي بريطانيا، وخلال العام ذاته، حدث تسرب آخر في المفاعل النووي وندسكيل Windscale.
مفاعل جزيرة الأميال الثلاثة |
كما ظهرت مشكلات تسرب الإشعاعات بفعل حادث جزيرة الأميال الثلاثة عام 1979 في الولايات المتحدة الأمريكية (أنظر الصورة) والتي كادت أن تؤدي إلى كارثة عظيمة؛ ولن نغفل عن الإشارة إلى مفاعل ديمونة القريب منا حيث انتهى العمر الافتراضي له والذي اتفق الخبراء على مخاطره الكبيرة على المنطقة برمتها(1)، وأخيراً، مفاعلات فوكوشيما النووية التي نجم عنها كارثة نووية بعد زلزال 11/3/2011 والتي لا يقل حجم الأضرار التي خلفتها عن تبعات كارثة تشرنوبل عام 1986.
وحوادث الذوبان الجزئي لقلب المفاعل كثيرة، نذكر منها أسماء بعض المفاعلات النووية والبلدان التي وقعت فيها، كما هو آت:-
سوف نأخذ مفاعل تشرنوبل مثالاً للأضرار التي يمكن أن تنجم عن انصهار جزئي للمفاعلات النووية، وذلك لتوافر المعلومات الحديثة. ولا نشك في أن أضراراً لا تقل أهمية سوف تظهر إلى العالم قريباً عن حجم الدمار الناجم عن حادثة مفاعلات فوكوشيما – دايتشي في اليابان إثر هزة 11/3/2011، بل هناك توقعات أنها سوف تكون أعظم!
انتشرت غيمة الإشعاعات بعد حادثة تشرنوبل حول مناطق معينة في العالم، إذ لوحظت بعض آثارها في شرقي أوروبا تحديداً، حينما هطلت أمطار ملوثة بالإشعاعات النووية، فتلوث الماء والعشب الأخضر غذاء الحيوانات المختلفة، التي في أغلب الظن أنها قد وصلت إلى أجسامنا جميعاً، وذلك من خلال اللحوم والمنتوجات الزراعية والصناعية المستوردة، فضلاً عن أن غيمة الإشعاعات أسهمت في تلويث واسع لموائل التنوع الحيوي في الطبيعة.
ألا ينبغي لهذه المخاطر، بما في ذلك كلفة العلاج البدني والنفسي والتعطل عن الإنتاج وتلويث البيئة الطبيعية والتنوع الحيوي فيها وتهديد استقرار الدولة، أن تضاف إلى سعر الطاقة المنتجة من المفاعلات النووية؟ وإذا فعلنا ذلك فتصبح الطاقة النووية أكثر أنواع الطاقة تكلفة على الإطلاق.
وقد عولج مئات الآلاف من الأشخاص في الاتحاد السوفياتي السابق من الذين تعرضوا للإشعاعات الطاقة النووية ، وما زالت الحالة الصحية للمصابين غير واضحة تماماً. وفيما يلي بعض الإحصائيات عن الأضرار التي نجمت عن كارثة تشرنوبل:
وحوادث الذوبان الجزئي لقلب المفاعل كثيرة، نذكر منها أسماء بعض المفاعلات النووية والبلدان التي وقعت فيها، كما هو آت:-
- - أونتاريو – كندا، عام 1952.
- - آيداهو – الولايات المتحدة، عام 1955.
- - سيلافيلد – بريطانيا، عام 1957.
- - سانتا سوزانا – كاليفورنيا، عام 1959.
- - شابل كروس – سكوتلندا، عام 1967.
- - ومفاعل لوزان – سويسرا، عام 1969.
سوف نأخذ مفاعل تشرنوبل مثالاً للأضرار التي يمكن أن تنجم عن انصهار جزئي للمفاعلات النووية، وذلك لتوافر المعلومات الحديثة. ولا نشك في أن أضراراً لا تقل أهمية سوف تظهر إلى العالم قريباً عن حجم الدمار الناجم عن حادثة مفاعلات فوكوشيما – دايتشي في اليابان إثر هزة 11/3/2011، بل هناك توقعات أنها سوف تكون أعظم!
انتشرت غيمة الإشعاعات بعد حادثة تشرنوبل حول مناطق معينة في العالم، إذ لوحظت بعض آثارها في شرقي أوروبا تحديداً، حينما هطلت أمطار ملوثة بالإشعاعات النووية، فتلوث الماء والعشب الأخضر غذاء الحيوانات المختلفة، التي في أغلب الظن أنها قد وصلت إلى أجسامنا جميعاً، وذلك من خلال اللحوم والمنتوجات الزراعية والصناعية المستوردة، فضلاً عن أن غيمة الإشعاعات أسهمت في تلويث واسع لموائل التنوع الحيوي في الطبيعة.
ألا ينبغي لهذه المخاطر، بما في ذلك كلفة العلاج البدني والنفسي والتعطل عن الإنتاج وتلويث البيئة الطبيعية والتنوع الحيوي فيها وتهديد استقرار الدولة، أن تضاف إلى سعر الطاقة المنتجة من المفاعلات النووية؟ وإذا فعلنا ذلك فتصبح الطاقة النووية أكثر أنواع الطاقة تكلفة على الإطلاق.
وقد عولج مئات الآلاف من الأشخاص في الاتحاد السوفياتي السابق من الذين تعرضوا للإشعاعات الطاقة النووية ، وما زالت الحالة الصحية للمصابين غير واضحة تماماً. وفيما يلي بعض الإحصائيات عن الأضرار التي نجمت عن كارثة تشرنوبل:
موقع كارثة تشرنوبل النووية- أوكرانيا 1986 |
تخبرنا أحدث تقارير الأمم المتحدة عن نتائج كارثة تشرنوبل النووية، حيث قضى بالسرطان أو بات على وشك الموت 3,940 شخصاً، فيما أصيب نحو 586,000 شخصاً بالتلوث الإشعاعي، من ضمنهم 200,000 من العمال الذي أسهموا في تنظيف الموقع، بالإضافة إلى 116,000 شخصاً من الذين تم إخلاؤهم من المناطق المحيطة بالمفاعل، فضلاً عن إصابة 270,000 نسمة آخرين؛ وقد تعرضت للتلوث مناطق شاسعة تقدر بنحو 200,000 كيلومتر مربع(3)، أي أكثر من ضعف مساحة دولة كالأردن.
وإذا عقدنا مقارنة بين المصابين بالإشعاعات الناجمة من حادثة تشرنوبل والأضرار الناجمة عن الاشتغال بالأسبست، فإننا نجد أن نحو 250,000 – 400,000 حالة وفاة من أمراض متعلقة بأضرار الأسبست، كسرطان الرئة ومرض Mesothelioma ومرض Asbestosis، سوف تحدث خلال 35 سنة القادمة(4)، وقد منعت أوروبا صناعة الأسبست بينما أضرار تشرنوبل أكثر من ضعف أضرار الأسبست ولم تشرع أوروبا في حظر الطاقة النووية بعد!
هذه الإصابات المتوقعة من الأسبست على المدى الطويل هي في الاتحاد الأوروبي فقط، فلماذا منع الاتحاد الأوروبي الاشتغال بالأسبست منعاً باتاً عام 1999، علماً بأن تعدين الأسبست بدأ عام 1879، بينما لم تـُمنع المفاعلات النووية من العمل بعد، بالرغم من أن أعداد إصابات حادثة تشرنوبل وحدها زادت عن أعداد المصابين بأضرار الأسبست، وبالرغم من أن الاشتغال جدياً بالطاقة النووية بدأ خلال الحرب العالمية الثانية فقط؟
وهذا يذكرنا بالحوادث النووية التي لوثت الأرض بالإشعاعات النووية منذ الستينيات، مثل حادثة احتراق السفينة الفضائية Sky-up عام 1964 خلال عودتها إلى الأرض، وتلتها حادثة السفينة الفضائية Cosmos عام 1978، ثم غرق الغواصة النووية قرب سواحل النرويج عام 1989، وغرق أخرى بعد اصطدامها بسفينة في المحيط الهادي عام 1998 وغيرها الكثير من الحوادث العالمية. إذن، إن الصناعة النووية مفتوحة على مخاطر لا حدود لها(5)، وفي الوقت نفسه تتحكم بها شركات عالمية لها نفوذ كبير.
فضلاً عن الحوادث النووية المتوقع حدوثها لا محالة، هناك مخاطر التخلص من النفايات النووية، كاليورانيوم المشع، الذي ما زالت المنشآت الخاصة قاصرة عن الاحتفاظ به لآلاف السنين في ملاجئ محصنة أو في طبقات جيولوجية عميقة، كما أن مناطق التخلص من النفايات النووية غير محدودة تماماً وتلجأ بعض الدول إلى القرصنة ودفنها في الدول الفقيرة أو في أعماق البحار.
هذا فيما يتعلق بأحوال النفايات النووية حول العالم والتلوث الإشعاعي الذي يصاحبه والتسمم الكيميائي الذي تنشره بين الناس عبر الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي، ولكن، ماذا بشأن مخاطر المحطات النووية، هل هي نفسها آمنة؟
وفقاً لتقرير مؤسسة الحماية من الإشعاعات النووية IRSN، وفي عام 2008، زادت نسبة الحوادث الأمنية والبيئية في المواقع النووية بمقدار 56 % مقارنة بعدد حوادث عام 2005 (من 131 حادثة عام 2005 إلى 205 حادثة عام 2008). فعلى سبيل المثال، في منشأة سوكاتري Socatri في موقع Tricastin، تسرب 20 م3 من السائل المشع خارج مستودعات الوقود؛ انساب بعض الوقود مع خطوط تصريف مياه المطر فيما تسرب البعض الآخر في داخل التربة .
وقد تسربت مياه مشعة أيضاً من محطة نووية يابانية بعد زلزال اليابان عام 2007، وهي محطة كاشيوازاكي النووية، كما تسربت كميات كبيرة إلى البحر بعد هزة 11/3/2011 من مفاعلات فوكوشيما – دايتشي، كما تسربت غازات وعناصر مشعة بعد انصهار قلب المفاعل وانخفاض منسوب مياه تبريد قضبان اليورانيوم، فوجدت عناصر كاليود المشع والسيزيوم 137 في قاع البحر وعلى التربة المحيطة بالمفاعلات.
وإذا عقدنا مقارنة بين المصابين بالإشعاعات الناجمة من حادثة تشرنوبل والأضرار الناجمة عن الاشتغال بالأسبست، فإننا نجد أن نحو 250,000 – 400,000 حالة وفاة من أمراض متعلقة بأضرار الأسبست، كسرطان الرئة ومرض Mesothelioma ومرض Asbestosis، سوف تحدث خلال 35 سنة القادمة(4)، وقد منعت أوروبا صناعة الأسبست بينما أضرار تشرنوبل أكثر من ضعف أضرار الأسبست ولم تشرع أوروبا في حظر الطاقة النووية بعد!
هذه الإصابات المتوقعة من الأسبست على المدى الطويل هي في الاتحاد الأوروبي فقط، فلماذا منع الاتحاد الأوروبي الاشتغال بالأسبست منعاً باتاً عام 1999، علماً بأن تعدين الأسبست بدأ عام 1879، بينما لم تـُمنع المفاعلات النووية من العمل بعد، بالرغم من أن أعداد إصابات حادثة تشرنوبل وحدها زادت عن أعداد المصابين بأضرار الأسبست، وبالرغم من أن الاشتغال جدياً بالطاقة النووية بدأ خلال الحرب العالمية الثانية فقط؟
وهذا يذكرنا بالحوادث النووية التي لوثت الأرض بالإشعاعات النووية منذ الستينيات، مثل حادثة احتراق السفينة الفضائية Sky-up عام 1964 خلال عودتها إلى الأرض، وتلتها حادثة السفينة الفضائية Cosmos عام 1978، ثم غرق الغواصة النووية قرب سواحل النرويج عام 1989، وغرق أخرى بعد اصطدامها بسفينة في المحيط الهادي عام 1998 وغيرها الكثير من الحوادث العالمية. إذن، إن الصناعة النووية مفتوحة على مخاطر لا حدود لها(5)، وفي الوقت نفسه تتحكم بها شركات عالمية لها نفوذ كبير.
فضلاً عن الحوادث النووية المتوقع حدوثها لا محالة، هناك مخاطر التخلص من النفايات النووية، كاليورانيوم المشع، الذي ما زالت المنشآت الخاصة قاصرة عن الاحتفاظ به لآلاف السنين في ملاجئ محصنة أو في طبقات جيولوجية عميقة، كما أن مناطق التخلص من النفايات النووية غير محدودة تماماً وتلجأ بعض الدول إلى القرصنة ودفنها في الدول الفقيرة أو في أعماق البحار.
هذا فيما يتعلق بأحوال النفايات النووية حول العالم والتلوث الإشعاعي الذي يصاحبه والتسمم الكيميائي الذي تنشره بين الناس عبر الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي، ولكن، ماذا بشأن مخاطر المحطات النووية، هل هي نفسها آمنة؟
وفقاً لتقرير مؤسسة الحماية من الإشعاعات النووية IRSN، وفي عام 2008، زادت نسبة الحوادث الأمنية والبيئية في المواقع النووية بمقدار 56 % مقارنة بعدد حوادث عام 2005 (من 131 حادثة عام 2005 إلى 205 حادثة عام 2008). فعلى سبيل المثال، في منشأة سوكاتري Socatri في موقع Tricastin، تسرب 20 م3 من السائل المشع خارج مستودعات الوقود؛ انساب بعض الوقود مع خطوط تصريف مياه المطر فيما تسرب البعض الآخر في داخل التربة .
وقد تسربت مياه مشعة أيضاً من محطة نووية يابانية بعد زلزال اليابان عام 2007، وهي محطة كاشيوازاكي النووية، كما تسربت كميات كبيرة إلى البحر بعد هزة 11/3/2011 من مفاعلات فوكوشيما – دايتشي، كما تسربت غازات وعناصر مشعة بعد انصهار قلب المفاعل وانخفاض منسوب مياه تبريد قضبان اليورانيوم، فوجدت عناصر كاليود المشع والسيزيوم 137 في قاع البحر وعلى التربة المحيطة بالمفاعلات.
صورة من الأقمار الصناعية تبين المفاعل الثالث في فوكوشيما بعد الانفجار |
ويمكن قراءَة تفاصيل حوادث منشأة ثورب Thorp عام 2005 في موقع سيلافيلد البريطاني في صفحة 16 من التقرير عينه، وكذلك حادثة منشأة أخرى في موقع فليروس Fleurus البلجيكي عام 2006، وذلك في صفحة 17 من التقرير ذاته، وحوادث أخرى كثيرة في فرنسا والهيج واليابان وغيرها من الدول، حيث كان من الممكن أن يؤدي بعضها إلى كوارث بيئية وإصابات بين العمال على نطاق واسع.
كما أجريت دراسة في 15 دولة على العاملين في المواقع المشعة (وقد استثنت هذه الدراسة العاملين في مناجم تعدين اليورانيوم)، ونشرت الدراسة عام 2005، وقد أكدت على زيادة مخاطر إصابة العاملين في تلك المنشآت بالسرطان واللوكيميا حتى عند التعرض لإشعاعات بسيطة. شملت الدراسة 407,000 عامل وموظف الذين تعرضوا لشدة إشعاعات بمعدل 19.4 مللي سيفريت، علماً بأن المسموح به هو 50 مللي سيفريت سنوياً للعاملين في تلك المنشآت. واتضح زيادة احتمالية الإصابة بالسرطان بنسب متفاوتة وفقاً لشدة الإشعاع وبعده والفترة الزمنية التي يتعرض لها الإنسان .
تؤكد الدراسات الطبية اليوم أثر الإشعاعات النووية المأينة Ionizing Radiation على العاملين في المفاعلات النووية وأيضاً على السكان الذين يعيشون بالقرب من المفاعلات النووية، حيث تزداد نسبة الإصابة بسرطان الدم بعد مدة نحو خمس سنوات من تعرضهم للإشعاعات، وتظهر الإصابات بالسرطان خلال مدة تتراوح بين 10 – 40 سنة. وتطلق المفاعلات النووية غازات مشعة Radioactive Gases يتم جمعها في المحطة، ثم يتم التخلص منها في الهواء عندما ينخفض نشاطها الإشعاعي .
كذلك أثبتت دراسة إنجليزية زيادة نسبة إصابة الأطفال دون سن عشر سنوات بسرطان الدم بين عامي 1954 – 1984 في قرية سيسكيل Seascale التي تقع على بعد ثلاثة كيلومترات من منشأة سيلافيلد المتخصصة في إعادة تأهيل واستخدام الوقود النووي المستنفذ، حيث ربط مجموعة من العلماء الإصابات في القرية بالإشعاعات الصادرة عن المنشأة النووية .
وقد أجريت في عام 2007 دراسة على تأثير المفاعلات النووية في ألمانيا على الإصابة بسرطان الدم عند الأطفال والشبان الذين تقل أعمارهم عن 28 عاماً والذين يعيشوا في مدى دائرة قطرها خمسة كيلومترات من المفاعلات النووية، إذ اتضح زيادة احتمالية الإصابة بالمرض باقتراب سكنهم من المفاعل النووي. وقد نشرت تقارير ارتفاع الإصابة بمرض السرطان حول مناطق المفاعلات في ألمانيا بنسبة 117 % لغاية مسافة خمسة كيلومترات من موقع المفاعلات الحديثة، وبخاصة لدى الأطفال دون سن التاسعة، وتشير التقارير أيضا إلى امتداد الضرر الإشعاعي على الكائنات الحية لمسافات قد تصل إلى 50 كيلومتراً؟
كما أجريت دراسة في 15 دولة على العاملين في المواقع المشعة (وقد استثنت هذه الدراسة العاملين في مناجم تعدين اليورانيوم)، ونشرت الدراسة عام 2005، وقد أكدت على زيادة مخاطر إصابة العاملين في تلك المنشآت بالسرطان واللوكيميا حتى عند التعرض لإشعاعات بسيطة. شملت الدراسة 407,000 عامل وموظف الذين تعرضوا لشدة إشعاعات بمعدل 19.4 مللي سيفريت، علماً بأن المسموح به هو 50 مللي سيفريت سنوياً للعاملين في تلك المنشآت. واتضح زيادة احتمالية الإصابة بالسرطان بنسب متفاوتة وفقاً لشدة الإشعاع وبعده والفترة الزمنية التي يتعرض لها الإنسان .
تؤكد الدراسات الطبية اليوم أثر الإشعاعات النووية المأينة Ionizing Radiation على العاملين في المفاعلات النووية وأيضاً على السكان الذين يعيشون بالقرب من المفاعلات النووية، حيث تزداد نسبة الإصابة بسرطان الدم بعد مدة نحو خمس سنوات من تعرضهم للإشعاعات، وتظهر الإصابات بالسرطان خلال مدة تتراوح بين 10 – 40 سنة. وتطلق المفاعلات النووية غازات مشعة Radioactive Gases يتم جمعها في المحطة، ثم يتم التخلص منها في الهواء عندما ينخفض نشاطها الإشعاعي .
كذلك أثبتت دراسة إنجليزية زيادة نسبة إصابة الأطفال دون سن عشر سنوات بسرطان الدم بين عامي 1954 – 1984 في قرية سيسكيل Seascale التي تقع على بعد ثلاثة كيلومترات من منشأة سيلافيلد المتخصصة في إعادة تأهيل واستخدام الوقود النووي المستنفذ، حيث ربط مجموعة من العلماء الإصابات في القرية بالإشعاعات الصادرة عن المنشأة النووية .
وقد أجريت في عام 2007 دراسة على تأثير المفاعلات النووية في ألمانيا على الإصابة بسرطان الدم عند الأطفال والشبان الذين تقل أعمارهم عن 28 عاماً والذين يعيشوا في مدى دائرة قطرها خمسة كيلومترات من المفاعلات النووية، إذ اتضح زيادة احتمالية الإصابة بالمرض باقتراب سكنهم من المفاعل النووي. وقد نشرت تقارير ارتفاع الإصابة بمرض السرطان حول مناطق المفاعلات في ألمانيا بنسبة 117 % لغاية مسافة خمسة كيلومترات من موقع المفاعلات الحديثة، وبخاصة لدى الأطفال دون سن التاسعة، وتشير التقارير أيضا إلى امتداد الضرر الإشعاعي على الكائنات الحية لمسافات قد تصل إلى 50 كيلومتراً؟
منشأة سيلافيلد النووية في بريطانيا |
وفي أوسع دراسة تمت حول مواقع نووية عديدة (136 موقعاً) في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا واليابان وألمانيا وكندا، اتضح زيادة نسبة إصابة الأطفال دون سن 9 سنوات بنسبة تتراوح بين 14 – 21 بالمئة(12). وهذا يعني أن هناك إصابة إضافية واحدة على الأقل لكل خمسة أشخاص من عدد السكان.
أما أحدث دراسة لارتباط أثر المفاعلات النووية على السكان، من حيث المسافة الفاصلة بينهما، فقد تمت في ألمانيا ونشرت عام 2008، وتوصلت إلى أن زيادة الأثر تتناسب طردياً مع الاقتراب من المفاعل، ولكن الاكتشاف الأهم والأخطر كان يتمثل في أن الأثر على السكان المقيمين في المنطقة قد امتد ليصل إلى سبعين كيلومتراً(13). فإذا رسمنا دائرة نصف قطرها 70 كيلومتراً حول منطقة أي مفاعل مقترح، فإنه يمكننا أن نحصر المناطق التي سوف تصيبها الأضرار في المستقبل.
وهذا البحث يفتح باب التساؤلات بشأن مدى الإصابات المتوقعة لدى العاملين في داخل هذه المنشأة النووية أو تلك، فضلاً عن الاحتمال المرتفع للإصابة بسرطان الرئة نتيجة تعرض الأشخاص العاملين في مواقع تعدين اليورانيوم(14). وهناك أيضاً المخاطر الناجمة عن الأغبرة وغاز الرادون الصادرة عن عمليات التعدين وانتقالها بفعل الرياح إلى مناطق بعيدة، فضلاً عن انتقال الإشعاعات مع مياه الأمطار لتلويث المياه الجوفية. وسوف نؤجل الحديث عن التلوث في مناجم اليورانيوم إلى الفصل الثاني.
إذا دخلنا إلى المنشأة النووية وشرعنا في تعداد المخاطر العرضية المحتملة، فإننا ربما نستمر في حصرها إلى ما لا نهاية. إذ تتعرض المنشأة النووية لمخاطر الحريق، شأنها شأن المنشآت الحيوية الأخرى، وهي مخاطر ناجمة عن أخطاء ربما يرتكبها الموظفون والعمال والفنيين في أثناء عملهم؛ ولا شك في أن النتائج المترتبة على حريق ما قد تكون بسيطة ولكنها ربما تكون مدمرة إذا ما أثرت على أنظمة التبريد أو الأجهزة الدقيقة الأخرى في المنشأة النووية، وبخاصة الإلكترونية منها وأجهزة الحواسيب المعقدة.
وهناك مخاطر حدوث خلل فني ما في تزويد المحطة بالطاقة أو المياه، كما حدث في مفاعلات فوكوشيما في اليابان بعد زلزال 11/3/2011، وربما بفعل عدم إتقان العمل وإسقاط المعدات وتصادم الآليات أو خلال حركة المواد المنقولة داخل المنشأة.
أما في المنشآت المخصصة لتخزين النفايات النووية ، فإن مخاطر الانفجار مرتفعة جداً نتيجة تحلل الغازات بالإشعاع Radiolysis gas، أو بفعل تحلل بعض المواد بفعل الإشعاعات، مثل الهيدروجين والغاز الطبيعي المتواجد في حاويات مضغوطة(15).
ونتساءَل: ماذا سوف يحصل لهذه المفاعلات في حال حدوث ثورات اجتماعية وفوضى في دول العالم النامي، كما يحدث حالياً في مناطق الشرق الأوسط؟ هل نستبعد أن يتم فقدان السيطرة أمنياً على المفاعلات النووية والوقود النووي، وربما استخدامه لتهديد سلامة العالم! ناهيك بالمخاطر الناجمة عن عمل إرهابي من داخل المفاعل أو من خارجه أو ربما سقوط طائرة أو جرم سماوي! وهناك الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والأعاصير وما إليها، وبخاصة في ظل ظاهرة التغير المناخي التي تجتاح العالم، حيث غدا التنبؤ بالأحوال المناخية مستحيلاً.
ولدينا اليوم مثالاً حياً من اليابان بعد الكارثة الزلزالية التي هزت شمال شرق اليابان يوم الجمعة الموافق 11/3/2011، حيث تلوثت مياه الشرب والمواد الغذائية والبيئة الحيوية في مياه المحيط، وبدأت تصل الإشعاعات إلى الدول الواقعة على المحيط الهادئ، وربما تنتقل حول العالم عبر تيارات المياه الحارة والباردة التي تجوب المحيطات وتدور حول العالم.
أما أحدث دراسة لارتباط أثر المفاعلات النووية على السكان، من حيث المسافة الفاصلة بينهما، فقد تمت في ألمانيا ونشرت عام 2008، وتوصلت إلى أن زيادة الأثر تتناسب طردياً مع الاقتراب من المفاعل، ولكن الاكتشاف الأهم والأخطر كان يتمثل في أن الأثر على السكان المقيمين في المنطقة قد امتد ليصل إلى سبعين كيلومتراً(13). فإذا رسمنا دائرة نصف قطرها 70 كيلومتراً حول منطقة أي مفاعل مقترح، فإنه يمكننا أن نحصر المناطق التي سوف تصيبها الأضرار في المستقبل.
وهذا البحث يفتح باب التساؤلات بشأن مدى الإصابات المتوقعة لدى العاملين في داخل هذه المنشأة النووية أو تلك، فضلاً عن الاحتمال المرتفع للإصابة بسرطان الرئة نتيجة تعرض الأشخاص العاملين في مواقع تعدين اليورانيوم(14). وهناك أيضاً المخاطر الناجمة عن الأغبرة وغاز الرادون الصادرة عن عمليات التعدين وانتقالها بفعل الرياح إلى مناطق بعيدة، فضلاً عن انتقال الإشعاعات مع مياه الأمطار لتلويث المياه الجوفية. وسوف نؤجل الحديث عن التلوث في مناجم اليورانيوم إلى الفصل الثاني.
إذا دخلنا إلى المنشأة النووية وشرعنا في تعداد المخاطر العرضية المحتملة، فإننا ربما نستمر في حصرها إلى ما لا نهاية. إذ تتعرض المنشأة النووية لمخاطر الحريق، شأنها شأن المنشآت الحيوية الأخرى، وهي مخاطر ناجمة عن أخطاء ربما يرتكبها الموظفون والعمال والفنيين في أثناء عملهم؛ ولا شك في أن النتائج المترتبة على حريق ما قد تكون بسيطة ولكنها ربما تكون مدمرة إذا ما أثرت على أنظمة التبريد أو الأجهزة الدقيقة الأخرى في المنشأة النووية، وبخاصة الإلكترونية منها وأجهزة الحواسيب المعقدة.
وهناك مخاطر حدوث خلل فني ما في تزويد المحطة بالطاقة أو المياه، كما حدث في مفاعلات فوكوشيما في اليابان بعد زلزال 11/3/2011، وربما بفعل عدم إتقان العمل وإسقاط المعدات وتصادم الآليات أو خلال حركة المواد المنقولة داخل المنشأة.
أما في المنشآت المخصصة لتخزين النفايات النووية ، فإن مخاطر الانفجار مرتفعة جداً نتيجة تحلل الغازات بالإشعاع Radiolysis gas، أو بفعل تحلل بعض المواد بفعل الإشعاعات، مثل الهيدروجين والغاز الطبيعي المتواجد في حاويات مضغوطة(15).
ونتساءَل: ماذا سوف يحصل لهذه المفاعلات في حال حدوث ثورات اجتماعية وفوضى في دول العالم النامي، كما يحدث حالياً في مناطق الشرق الأوسط؟ هل نستبعد أن يتم فقدان السيطرة أمنياً على المفاعلات النووية والوقود النووي، وربما استخدامه لتهديد سلامة العالم! ناهيك بالمخاطر الناجمة عن عمل إرهابي من داخل المفاعل أو من خارجه أو ربما سقوط طائرة أو جرم سماوي! وهناك الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والأعاصير وما إليها، وبخاصة في ظل ظاهرة التغير المناخي التي تجتاح العالم، حيث غدا التنبؤ بالأحوال المناخية مستحيلاً.
ولدينا اليوم مثالاً حياً من اليابان بعد الكارثة الزلزالية التي هزت شمال شرق اليابان يوم الجمعة الموافق 11/3/2011، حيث تلوثت مياه الشرب والمواد الغذائية والبيئة الحيوية في مياه المحيط، وبدأت تصل الإشعاعات إلى الدول الواقعة على المحيط الهادئ، وربما تنتقل حول العالم عبر تيارات المياه الحارة والباردة التي تجوب المحيطات وتدور حول العالم.
خارطة انتشار الإشعاعات بعد الانفجار في مفاعلات فوكوشيما – دايتشي |
ويلاحظ في الشكل الأخير امتداد غيمة الإشعاعات عبر المحيط الهادئ إلى سواحل الولايات المتحدة الأمريكية الشمالية الغربية خلال يومين فقط.
وبناء عليه فقد شرع العالم اليوم يراقب إشعاعيا كل ما ينتج في اليابان، حتى القطع الإلكترونية الدقيقة وقطع المركبات الكبيرة سوف يتم مراقبتها إشعاعياً، الأمر الذي سوف يؤدي إلى أضرار عظيمة تصيب الاقتصاد الياباني على المدى البعيد.
تقع اليابان بمحاذاة حزام ناري يفصل بين العديد من صفائح القشرة الأرضية وصفيحة الهادئ الضخمة التي تتحرك باستمرار وتصطدم ببعضها البعض أو تنزلق عند أطرافها المتلاصقة بعمق عشرات الكيلومترات وطول مئات الكيلومترات، الأمر الذي ينجم عنه تحرر طاقة هائلة هي ما نطلق عليها زلزال أو هزة أرضية.
يؤدي الاحتكاك بين صفيحتين متحركتين من القشرة الأرضية الصلبة إلى تكون إجهادات مرتفعة في الصخور الممتدة على طول خط الصدع الذي يفصلهما. وتتراكم الانفعالات Strains في الصخور المذكورة مع مرور الزمن، وذلك نتيجة المحاولات المستمرة لصفيحتي القشرة الأرضية على الحركة، وبفعل الحرارة والضغط الشديدين. وعندما تصل الانفعالات في الصخور إلى حد لا تقوى عنده الصخور على مقاومتها، تنزلق أجزاء القشرة الأرضية عن بعضها على خط الصدع الذي يفصلهما. فتتحرر بذلك الطاقة المختزنة في الصخور على هيئة هزة أرضية مركزها منطقة تشقق الصخور وانهيارها.
أدى شدة زلزال اليابان الأخير إلى انحراف الأرض حول محورها نحو عشرة سنتمترات وإلى تحرك اليابان أكثر من مترين، ويبدو أن صخور الفالق تحت اليابان قوية جداً لتتحمل هذه الطاقة الهائلة التي يقف عندها مقياس ريختر عند الرقم 9.
مقياس ريختر هو المقياس الذي وضعه شارلز ريختر لسعة اهتزاز القشرة الأرضية، والتي يسجلها جهاز السيزموغراف Seismogtaph. وهو يتدرج من صفر إلى 10 على أساس لوغارثمي. ويعني ذلك أن هزة مقدارها 6 درجات على مقياس ريختر تحرر من الطاقة عشرة أمثال ما تحرره هزة شدتها خمس درجات. كذلك، تحرر هزة شدتها سبع درجات من الطاقة مئة مرة قدر ما تحرره هزة بشدة خمس درجات.
ومما يجدر ذكره هنا أنه يمكن وجود هزات بشدة سالبة على مقياس ريختر اللوغارثمي، حيث تحدث في الطبيعة هزات خفيفة جداً أدنى من مستوى شدة الهزة الذي اعتبره ريختر بداية تدرج مقياسه. ويعود سبب انتهاء درجات المقياس عند 10 إلى أن قدرة الصخور على اختزان الطاقة تتوقف عند هذا الحد. إذ لم يسبق أن حدثت هزات بشدة كبيرة جدا باستثناء هزة اليابان في عام 2011 بقوة 8,9 درجة، وزلزال اندونيسيا في عام 2004 الذي كان بقوة 9.2 على مقياس ريختر، وهزة التشيلي بقوة 9.5 على مقياس ريختر في عام 1960.
لقد قاومت الأبنية الحديثة في اليابان الموجات الزلزالية لأكثر من دقيقتين ولكن الأبنية التي كانت قائمة على تربة ضعيفة انهارت أو انقلبت، وما تبقى منها جرفته موجات التسونامي العاتية التي اجتاحت البر إلى عمق كيلومترات عديدة. كذلك اشتعلت الحرائق بفعل انفجارات الغاز ومستودعات النفط وتوقفت المفاعلات النووية عن العمل بمجرد حدوث الهزة بطريقة آلية.
ولكن المفاعلات النووية تحتاج إلى مياه لتبريد التفاعل النووي الذي يظل نشاطه مستمراً حتى بعد توقف المفاعل، ولسوء الحظ أغرقت موجات التسونامي البحرية أجهزة ومولدات الطاقة التقليدية ومستودعات وقودها، فلم يعد بالإمكان استمرار ضخ المياه للتبريد، فارتفعت درجة الحرارة، وانفجر البناء الواقي للمفاعل رقم 1 في مفاعل فوكوشيما بفعل انفجار الهيدروجين، وانتشرت الإشعاعات حول المحطة؛ ولكن على الأرجح أن قلب المفاعل شرع في الذوبان لارتفاع درجة حرارته فأصبح الخطر الإشعاعي أعظم بإطلاق مواد مشعة كاليود والسيزيوم المشع، الأمر الذي سوف يزيد من المسألة تعقيداً ويضاعف الإشعاعات النووية في محيط المفاعل، حيث تم إجلاء نحو 200,000 نسمة في دائرة قطرها 20 كيلومتراً.
وكان من المستغرب أن توزع الحكومة حبوب اليود على المواطنين بعد الانفجار، إذ كان من المفروض اللجوء إلى ذلك مبكراً. فإذا كانت الاستعدادات لمواجهة هذه الكارثة في دولة متقدمة جداً كاليابان على هذا النحو من التباطؤ، فيمكننا تخيل ردة الفعل في الدول النامية والمتخلفة على الكوراث النووية!
وهذا التباطؤ يعني تعرض الناس إلى إصابات إشعاعية تؤدي إلى سرطان الغدد الدرقية وسرطان الدم، وبخاصة لدى الأطفال دون سن العاشرة. وهذا يكشف أيضاً عن مخاطر هائلة في إجراءَات الأمان والوقاية، وبخاصة في دولة متقدمة مثل اليابان حيث حوادث الزلازل هي نمط حياة، الأمر الذي يجعل من هذه الحادثة درساً قاسياً للدول النامية التي كانت تتطلع إلى عصر نهضة جديد في الطاقة النووية حول العالم!
وفي مواجهة ذلك، تم استخدام ماء البحر المضاف إليه بعض المركبات الحمضية Boric Acid لتبريد قلب المفاعل وامتصاص النيوترونات، ولكن، بعد أن تعرت أنابيب الوقود النووية لتطلق كميات كبيرة من الإشعاعات، عادت لتهدأ قليلاً وانخفضت شدة الإشعاع من نحو 1500 مايكرو سيفريت إلى دون 200.
وبعض المفاعلات الأخرى في فوكوشيما واجهت مشكلة مماثلة؛ ولتخفيض الضغط، تم إطلاق بخار الماء الملوث بالإشعاعات في الهواء الطلق؛ ويبدو أن الأمور كانت مرشحة للتفاقم، وبخاصة في ضوء ملاحظة مادة السيزيوم Cesium وغيرها من المواد المشعة كمؤشر على ذوبان قلب المفاعل.
إن استخدام ماء البحر لتبريد المفاعل أوقف المفاعل عن العمل إلى الأبد لخاصيته العالية في تسارع صدأ التمديدات المختلفة وتلفها، الأمر الذي يعني خسارة على الأقل ثلاثة مفاعلات خسارة شبه تامة. وعلى أي حال فإن المفاعل رقم 1 في دايتشي Daiichi عمره أصلاً نحو أربعين عاماً. وهكذا انقضت أيام عمل أغلب المفاعلات هناك.
إن اعتماد اليابان على نحو 30% من طاقتها الكهربائية على الطاقة النووية سوف يؤدي إلى شلل اقتصادها وأضرار اقتصادية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وقد صرحت شركة الكهرباء هناك بحجم الخسائر التي تبلغ مبدئياً نحو 245 مليار دولار ونعتقد أن اليابان سوف تتوجه إثر هذه الكارثة إلى بناء محطات لتوليد الطاقة من المصادر النظيفة والآمنة للطاقة المتجددة، كالرياح والشمس، ومن ثم توزع مراكز إنتاجها كي يكون الضرر محصوراً في مناطق دون أخرى في المستقبل تجنباً لكوارث مستقبلية متوقعة في هذه الجزيرة المنكوبة بأعظم زلزال كانوا في انتظاره منذ مئتي سنة على الأقل.
ويثبت ذلك تظاهر عشرات الآلاف في شوارع طوكيو في مطلع حزيران عام 2011 لوقف المفاعلات النووية، كما يثبت ذلك قرار الحكومة اليابانية بسن قانون يلزم كافة الأبنية الحديثة باستخدام اللوحات الكهروضوئية لتوليد الكهرباء.
وفي أثناء الكارثة كان اليابانيون يأملون أن تستمر الرياح في عصف التلوث الإشعاعي إلى المحيط؛ ولكن كانت هناك تقارير عن مخاطر اتجاه الغيمة المشعة صوب الفيليبين، ولكن ماذا كان سوف يحدث إذا تغير اتجاه الهواء باتجاه اليابان نفسها، وما الذي كان من الممكن أن يحدث للناس والطبيعة بمجملها؟ وبالرغم من ذلك فإن حادثة فوكوشيما باتت كارثة بكل المقاييس.
لم يلحق المفاعلات الستة في منشأة فوكوشيما النووية أذى مباشر يذكر جراء الزلزال الذي ضرب اليابان يوم الجمعة 11/3/2011، ولكن إغراق موجات المد البحرية للمنشأة أعطبت التمديدات الكهربائية ومولدات الكهرباء التي تعمل بالنفط؛ ولما كانت المفاعلات المتوقفة قد حجبت الكهرباء عن المنطقة، فلم يعد للتمديدات الكهربائية فائدة. لقد أصبحت المنطقة كلها على أعتاب كارثة نووية ربما لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل!
ولكن المفاعل بعد أن يتوقف عن العمل، فإن التفاعل النووي الانشطاري يستمر بقدرة بسيطة ولا يتوقف فجأة، لذلك كان لابد من استمرار تبريد المفاعل. ولكن المضخات التي توقفت عن العمل أدت إلى ارتفاع درجة حرارة المفاعل وحدثت إنفجارات غاز الهيدروجين المتتالية في المفاعلات الأربعة الأولى، كما نشبت حرائق في المفاعل الرابع، الأمر الذي أصاب نظام التبريد بالتدمير الجزئي وزاد المشكلة تعقيداً.
وعندما بدأت المضخات تعمل بعد أيام كان الضرر كبيراً، فلم تصل المياه إلى أحواض تبريد الوقود المستنفذ أو إلى قلب المفاعل، الأمر الذي سارع من الانصهار الجزئي في المفاعلات 1، 2، 3 وإطلاق المواد المشعة في الجو، فيما كانت الأعين مركزة بصورة خاصة على المفاعل الثالث الذي يستخدم البلوتونيوم مع اليورانيوم والذي ربما يكون قد أطلق أشد المواد إشعاعاً وخطورة.
وما لبثت الحكومة أن أعلنت عن جفاف البرك التي تبلغ من العمق 15 متراً والتي تحتوي الوقود المستنفذ في المفاعل الرابع، الأمر الذي حفز إطلاق المواد المشعة في الجو وأصبح الاقتراب من هذه المواقع مجازفة حقيقية.
لا شك أن العاملين في الموقع قد تعرضوا لإشعاعات كبيرة ومركزة، وسوف يموت بعضهم في غضون أيام أو ربما أسابيع، أما الضرر على الأمد البعيد فعظيم جداً، بدءَاً من الشدة الإشعاعية التي تعرض لها الناس وفقاً لقربهم من المصدر المشع وشدته والفترة الزمنية التي تعرضوا فيها للإشعاع، فضلاً عن خطر استنشاق المواد المشعة أو دخولها إلى الجسم عبر الجهاز الهضمي أو بتناول الغذاء الملوث أو شرب الماء الملوث.
لقد منع الأطفال من شرب مياه الصنابير في طوكيو، لأنهم الأكثر عرضة للإصابة بالغدة النخامية وسرطان الدم. كما أعلن عن خطورة تناول الحليب والسبانخ وبعض الخضروات المزروعة بالقرب من المفاعل. ولا شك أن أغلب المواد الغذائية ستكون مشعة، حيث حظرت مبيعات المواد الغذائية المنتجة في دائرة قطرها 100 كيلومتر، وذلك بتاريخ 19/3/2011، حيث تتضح من هذا القرار الأبعاد الكارثية للمفاعلات النووية التي لا ريب أنها سوف تتكشف أكثر بصورة تدرجية بمرور الزمن.
إنّ أشد نظائر السيزيوم إشعاعاً هو سيزيوم 137، وينجم عن التفاعل الانشطاري لليورانيوم والبلوتونيوم؛ والسيزيوم هو من المعادن السائلة عند درجة حرارة الغرفة الطبيعية، ونصف عمره الإشعاعي حوالي 30 عاماً، ويطلق أشعة ألفا وبيتا ليتحول في النهاية إلى باريوم. والخطر الأعظم منه هو ملامسة هذه المعادن المشعة وإدخالها عبر الفم أو تنفسها لتدخل إلى الجسم فتؤثر إشعاعات ألفا مباشرة على الخلايا الحية والمادة الوراثية وخلايا الدم البيضاء والغدد اللمفاوية وما إليها، فتؤدي إلى الإصابة بالسرطان واختلال وظائف خلايا الجسم المختلفة.
لا يمكن حصر الضرر بسرعة ولكن ما هو مؤكد أن المواد المشعة سوف تنتقل حول العالم عن طريق الرياح والغذاء، وبخاصة التيارات البحرية التي تمر بمحاذاة اليابان لتصل إلى شواطئ أميركا الشمالية ثم ترتحل غرباً لتصل إلى شمال أستراليا وإندونيسيا وما حولها، وتستمر غرباً إلى المحيط الهندي لتدور حول إفريقيا وتتجه شمالاً عبر المحيط الأطلسي لتصل إلى شمال أوروبا، وذلك قبل أن تستدير لتعود مرة أخرى في دورة مغلقة، كما يظهر في الشكل الآتي:
وبناء عليه فقد شرع العالم اليوم يراقب إشعاعيا كل ما ينتج في اليابان، حتى القطع الإلكترونية الدقيقة وقطع المركبات الكبيرة سوف يتم مراقبتها إشعاعياً، الأمر الذي سوف يؤدي إلى أضرار عظيمة تصيب الاقتصاد الياباني على المدى البعيد.
تقع اليابان بمحاذاة حزام ناري يفصل بين العديد من صفائح القشرة الأرضية وصفيحة الهادئ الضخمة التي تتحرك باستمرار وتصطدم ببعضها البعض أو تنزلق عند أطرافها المتلاصقة بعمق عشرات الكيلومترات وطول مئات الكيلومترات، الأمر الذي ينجم عنه تحرر طاقة هائلة هي ما نطلق عليها زلزال أو هزة أرضية.
يؤدي الاحتكاك بين صفيحتين متحركتين من القشرة الأرضية الصلبة إلى تكون إجهادات مرتفعة في الصخور الممتدة على طول خط الصدع الذي يفصلهما. وتتراكم الانفعالات Strains في الصخور المذكورة مع مرور الزمن، وذلك نتيجة المحاولات المستمرة لصفيحتي القشرة الأرضية على الحركة، وبفعل الحرارة والضغط الشديدين. وعندما تصل الانفعالات في الصخور إلى حد لا تقوى عنده الصخور على مقاومتها، تنزلق أجزاء القشرة الأرضية عن بعضها على خط الصدع الذي يفصلهما. فتتحرر بذلك الطاقة المختزنة في الصخور على هيئة هزة أرضية مركزها منطقة تشقق الصخور وانهيارها.
أدى شدة زلزال اليابان الأخير إلى انحراف الأرض حول محورها نحو عشرة سنتمترات وإلى تحرك اليابان أكثر من مترين، ويبدو أن صخور الفالق تحت اليابان قوية جداً لتتحمل هذه الطاقة الهائلة التي يقف عندها مقياس ريختر عند الرقم 9.
مقياس ريختر هو المقياس الذي وضعه شارلز ريختر لسعة اهتزاز القشرة الأرضية، والتي يسجلها جهاز السيزموغراف Seismogtaph. وهو يتدرج من صفر إلى 10 على أساس لوغارثمي. ويعني ذلك أن هزة مقدارها 6 درجات على مقياس ريختر تحرر من الطاقة عشرة أمثال ما تحرره هزة شدتها خمس درجات. كذلك، تحرر هزة شدتها سبع درجات من الطاقة مئة مرة قدر ما تحرره هزة بشدة خمس درجات.
ومما يجدر ذكره هنا أنه يمكن وجود هزات بشدة سالبة على مقياس ريختر اللوغارثمي، حيث تحدث في الطبيعة هزات خفيفة جداً أدنى من مستوى شدة الهزة الذي اعتبره ريختر بداية تدرج مقياسه. ويعود سبب انتهاء درجات المقياس عند 10 إلى أن قدرة الصخور على اختزان الطاقة تتوقف عند هذا الحد. إذ لم يسبق أن حدثت هزات بشدة كبيرة جدا باستثناء هزة اليابان في عام 2011 بقوة 8,9 درجة، وزلزال اندونيسيا في عام 2004 الذي كان بقوة 9.2 على مقياس ريختر، وهزة التشيلي بقوة 9.5 على مقياس ريختر في عام 1960.
لقد قاومت الأبنية الحديثة في اليابان الموجات الزلزالية لأكثر من دقيقتين ولكن الأبنية التي كانت قائمة على تربة ضعيفة انهارت أو انقلبت، وما تبقى منها جرفته موجات التسونامي العاتية التي اجتاحت البر إلى عمق كيلومترات عديدة. كذلك اشتعلت الحرائق بفعل انفجارات الغاز ومستودعات النفط وتوقفت المفاعلات النووية عن العمل بمجرد حدوث الهزة بطريقة آلية.
ولكن المفاعلات النووية تحتاج إلى مياه لتبريد التفاعل النووي الذي يظل نشاطه مستمراً حتى بعد توقف المفاعل، ولسوء الحظ أغرقت موجات التسونامي البحرية أجهزة ومولدات الطاقة التقليدية ومستودعات وقودها، فلم يعد بالإمكان استمرار ضخ المياه للتبريد، فارتفعت درجة الحرارة، وانفجر البناء الواقي للمفاعل رقم 1 في مفاعل فوكوشيما بفعل انفجار الهيدروجين، وانتشرت الإشعاعات حول المحطة؛ ولكن على الأرجح أن قلب المفاعل شرع في الذوبان لارتفاع درجة حرارته فأصبح الخطر الإشعاعي أعظم بإطلاق مواد مشعة كاليود والسيزيوم المشع، الأمر الذي سوف يزيد من المسألة تعقيداً ويضاعف الإشعاعات النووية في محيط المفاعل، حيث تم إجلاء نحو 200,000 نسمة في دائرة قطرها 20 كيلومتراً.
وكان من المستغرب أن توزع الحكومة حبوب اليود على المواطنين بعد الانفجار، إذ كان من المفروض اللجوء إلى ذلك مبكراً. فإذا كانت الاستعدادات لمواجهة هذه الكارثة في دولة متقدمة جداً كاليابان على هذا النحو من التباطؤ، فيمكننا تخيل ردة الفعل في الدول النامية والمتخلفة على الكوراث النووية!
وهذا التباطؤ يعني تعرض الناس إلى إصابات إشعاعية تؤدي إلى سرطان الغدد الدرقية وسرطان الدم، وبخاصة لدى الأطفال دون سن العاشرة. وهذا يكشف أيضاً عن مخاطر هائلة في إجراءَات الأمان والوقاية، وبخاصة في دولة متقدمة مثل اليابان حيث حوادث الزلازل هي نمط حياة، الأمر الذي يجعل من هذه الحادثة درساً قاسياً للدول النامية التي كانت تتطلع إلى عصر نهضة جديد في الطاقة النووية حول العالم!
وفي مواجهة ذلك، تم استخدام ماء البحر المضاف إليه بعض المركبات الحمضية Boric Acid لتبريد قلب المفاعل وامتصاص النيوترونات، ولكن، بعد أن تعرت أنابيب الوقود النووية لتطلق كميات كبيرة من الإشعاعات، عادت لتهدأ قليلاً وانخفضت شدة الإشعاع من نحو 1500 مايكرو سيفريت إلى دون 200.
وبعض المفاعلات الأخرى في فوكوشيما واجهت مشكلة مماثلة؛ ولتخفيض الضغط، تم إطلاق بخار الماء الملوث بالإشعاعات في الهواء الطلق؛ ويبدو أن الأمور كانت مرشحة للتفاقم، وبخاصة في ضوء ملاحظة مادة السيزيوم Cesium وغيرها من المواد المشعة كمؤشر على ذوبان قلب المفاعل.
إن استخدام ماء البحر لتبريد المفاعل أوقف المفاعل عن العمل إلى الأبد لخاصيته العالية في تسارع صدأ التمديدات المختلفة وتلفها، الأمر الذي يعني خسارة على الأقل ثلاثة مفاعلات خسارة شبه تامة. وعلى أي حال فإن المفاعل رقم 1 في دايتشي Daiichi عمره أصلاً نحو أربعين عاماً. وهكذا انقضت أيام عمل أغلب المفاعلات هناك.
إن اعتماد اليابان على نحو 30% من طاقتها الكهربائية على الطاقة النووية سوف يؤدي إلى شلل اقتصادها وأضرار اقتصادية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وقد صرحت شركة الكهرباء هناك بحجم الخسائر التي تبلغ مبدئياً نحو 245 مليار دولار ونعتقد أن اليابان سوف تتوجه إثر هذه الكارثة إلى بناء محطات لتوليد الطاقة من المصادر النظيفة والآمنة للطاقة المتجددة، كالرياح والشمس، ومن ثم توزع مراكز إنتاجها كي يكون الضرر محصوراً في مناطق دون أخرى في المستقبل تجنباً لكوارث مستقبلية متوقعة في هذه الجزيرة المنكوبة بأعظم زلزال كانوا في انتظاره منذ مئتي سنة على الأقل.
ويثبت ذلك تظاهر عشرات الآلاف في شوارع طوكيو في مطلع حزيران عام 2011 لوقف المفاعلات النووية، كما يثبت ذلك قرار الحكومة اليابانية بسن قانون يلزم كافة الأبنية الحديثة باستخدام اللوحات الكهروضوئية لتوليد الكهرباء.
وفي أثناء الكارثة كان اليابانيون يأملون أن تستمر الرياح في عصف التلوث الإشعاعي إلى المحيط؛ ولكن كانت هناك تقارير عن مخاطر اتجاه الغيمة المشعة صوب الفيليبين، ولكن ماذا كان سوف يحدث إذا تغير اتجاه الهواء باتجاه اليابان نفسها، وما الذي كان من الممكن أن يحدث للناس والطبيعة بمجملها؟ وبالرغم من ذلك فإن حادثة فوكوشيما باتت كارثة بكل المقاييس.
لم يلحق المفاعلات الستة في منشأة فوكوشيما النووية أذى مباشر يذكر جراء الزلزال الذي ضرب اليابان يوم الجمعة 11/3/2011، ولكن إغراق موجات المد البحرية للمنشأة أعطبت التمديدات الكهربائية ومولدات الكهرباء التي تعمل بالنفط؛ ولما كانت المفاعلات المتوقفة قد حجبت الكهرباء عن المنطقة، فلم يعد للتمديدات الكهربائية فائدة. لقد أصبحت المنطقة كلها على أعتاب كارثة نووية ربما لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل!
ولكن المفاعل بعد أن يتوقف عن العمل، فإن التفاعل النووي الانشطاري يستمر بقدرة بسيطة ولا يتوقف فجأة، لذلك كان لابد من استمرار تبريد المفاعل. ولكن المضخات التي توقفت عن العمل أدت إلى ارتفاع درجة حرارة المفاعل وحدثت إنفجارات غاز الهيدروجين المتتالية في المفاعلات الأربعة الأولى، كما نشبت حرائق في المفاعل الرابع، الأمر الذي أصاب نظام التبريد بالتدمير الجزئي وزاد المشكلة تعقيداً.
وعندما بدأت المضخات تعمل بعد أيام كان الضرر كبيراً، فلم تصل المياه إلى أحواض تبريد الوقود المستنفذ أو إلى قلب المفاعل، الأمر الذي سارع من الانصهار الجزئي في المفاعلات 1، 2، 3 وإطلاق المواد المشعة في الجو، فيما كانت الأعين مركزة بصورة خاصة على المفاعل الثالث الذي يستخدم البلوتونيوم مع اليورانيوم والذي ربما يكون قد أطلق أشد المواد إشعاعاً وخطورة.
وما لبثت الحكومة أن أعلنت عن جفاف البرك التي تبلغ من العمق 15 متراً والتي تحتوي الوقود المستنفذ في المفاعل الرابع، الأمر الذي حفز إطلاق المواد المشعة في الجو وأصبح الاقتراب من هذه المواقع مجازفة حقيقية.
لا شك أن العاملين في الموقع قد تعرضوا لإشعاعات كبيرة ومركزة، وسوف يموت بعضهم في غضون أيام أو ربما أسابيع، أما الضرر على الأمد البعيد فعظيم جداً، بدءَاً من الشدة الإشعاعية التي تعرض لها الناس وفقاً لقربهم من المصدر المشع وشدته والفترة الزمنية التي تعرضوا فيها للإشعاع، فضلاً عن خطر استنشاق المواد المشعة أو دخولها إلى الجسم عبر الجهاز الهضمي أو بتناول الغذاء الملوث أو شرب الماء الملوث.
لقد منع الأطفال من شرب مياه الصنابير في طوكيو، لأنهم الأكثر عرضة للإصابة بالغدة النخامية وسرطان الدم. كما أعلن عن خطورة تناول الحليب والسبانخ وبعض الخضروات المزروعة بالقرب من المفاعل. ولا شك أن أغلب المواد الغذائية ستكون مشعة، حيث حظرت مبيعات المواد الغذائية المنتجة في دائرة قطرها 100 كيلومتر، وذلك بتاريخ 19/3/2011، حيث تتضح من هذا القرار الأبعاد الكارثية للمفاعلات النووية التي لا ريب أنها سوف تتكشف أكثر بصورة تدرجية بمرور الزمن.
إنّ أشد نظائر السيزيوم إشعاعاً هو سيزيوم 137، وينجم عن التفاعل الانشطاري لليورانيوم والبلوتونيوم؛ والسيزيوم هو من المعادن السائلة عند درجة حرارة الغرفة الطبيعية، ونصف عمره الإشعاعي حوالي 30 عاماً، ويطلق أشعة ألفا وبيتا ليتحول في النهاية إلى باريوم. والخطر الأعظم منه هو ملامسة هذه المعادن المشعة وإدخالها عبر الفم أو تنفسها لتدخل إلى الجسم فتؤثر إشعاعات ألفا مباشرة على الخلايا الحية والمادة الوراثية وخلايا الدم البيضاء والغدد اللمفاوية وما إليها، فتؤدي إلى الإصابة بالسرطان واختلال وظائف خلايا الجسم المختلفة.
لا يمكن حصر الضرر بسرعة ولكن ما هو مؤكد أن المواد المشعة سوف تنتقل حول العالم عن طريق الرياح والغذاء، وبخاصة التيارات البحرية التي تمر بمحاذاة اليابان لتصل إلى شواطئ أميركا الشمالية ثم ترتحل غرباً لتصل إلى شمال أستراليا وإندونيسيا وما حولها، وتستمر غرباً إلى المحيط الهندي لتدور حول إفريقيا وتتجه شمالاً عبر المحيط الأطلسي لتصل إلى شمال أوروبا، وذلك قبل أن تستدير لتعود مرة أخرى في دورة مغلقة، كما يظهر في الشكل الآتي:
حركة تيارات المياه الباردة والحارة في المحيطات |
إن حجم الكارثة وهولها ينعكس في صورة رئيس مجلس إدارة شركة كهرباء طوكيو أكيو كوميري Akio Komiri وهو يبكي بعد المؤتمر الصحفي الذي انعقد في فوكوشيما. وحتى لو طمرت المفاعلات بالخرسانة، كما فعلوا قبل ذلك في مفاعل تشرنوبل عام 1986، فإنّ أضرارها قد انتشرت في العالم عبر مياه المحيط والغلاف الجوي، وإن ذكراها سوف تظل إلى الأبد في أذهان الأجيال القادمة لتذكر بمخاطر المواد المشعة وقدرتها التدميرية الصامتة واللامرئية التي لم تقوَ اليابان على مواجهتها، وهي الدولة الغنية والمتقدمة تكنولوجياً والتي يتميز شعبها بالتفاني في عمله ودقة إنتاجه ورفعة خلقه.
رئيس مجلس إدارة شركة كهرباء طوكيو يبكي من هول الكارثة |
شكرا ��
ردحذف